امازيغ اسبانيا



جزر الكناري
الكناريين الأصليين يعرفون بشكل عام باسم "الغوانش"، نسبة إلى سكان أكبر الجزر وهي تينيريفي. واسم "الغوانش" صيغة إسبانية محرفة عن أصلها الأمازيغي. فصيغة الغوانش ترجع إلى الأمازيغية التي تعني "وان شينش" (شينيش هي جزيرة تينيريفي، بلغة الغوانش الأصلية)، أما غين (غ)وانش فظاهرة لغوية إسبانية نلحظها في أكثر من مثال، إذ تميل الأسبانية إلى إضافة الغين قبل الواو في بعض الأسماء الأجنبية، وأشهر الأمثلة هو اسم "غوادا لخارا" الذي هو اسم عربي من "واد الحجارة".


يعتبر "الغوانش" السكان الأصليين لجزر الكناري، ينحدرون من أصول أمازيغية، حلوا بالأرخبيل ما بين السنة الألف قبل الميلاد، والسنة المائة قبل الميلاد. وتتعارض الروايات حول الأسباب التي جعلت "الغوانش" يحلون بأرخبيل الكناري قادمين من منطقة شمال أفريقيا وبالضبط من منطقتي سوس ودرعة.

فالمؤرخون القدامى، يقولون إن الاحتلال الروماني لشمال أفريقيا لقي مقاومة شرسة من طرف الأمازيغ الذين كانوا يستوطنون المنطقة، مما جعل روما تبعث ما بين القرن الثالث والأول قبل الميلاد بحملة عسكرية كبيرة لإخضاع القبائل "المتمردة"، وتم بالتالي تنظيم عملية تهجير واسعة لشبان من هؤلاء السكان نحو الأرخبيل، كان زادهم الوحيد أثناء عملية الترحيل القسري بعض رؤوس الماعز كي يقتاتوا من ألبانها.

"الغوانش" عانوا كغيرهم من الشعوب الأصيلة من ويلات الاستعمار، وبمجرد ما تم إخضاع أرخبيل الكناري لسلطة العرش القشتالي (الإسباني) في القرن 15، تم الشروع في عملية استيطان واسعة للأرخبيل من طرف الأوربيين. كما تم الشروع في الوقت ذاته في عملية إجبار السكان الأصليين على اعتناق الديانة المسيحية كما يؤكد ذلك المؤرخ خوصي دي لاروزا فاروخيا ومن تم تبني اللغة الإسبانية في تواصلهم.

وفي السياق نفسه، اعتبرت بعض الأبحاث التي تناولت ثقافة ونمط حياة السكان الأصليين لجزر الكناري، أن "الغوانش" كانوا قبل حلول الأوربيين بالأرخبيل "يعيشون حياة بدائية مثل حياة العصور الحجرية الحديثة".

بين المغرب وجزر الكناري ارتباط ثقافي

الدليل على أن أرخبيل الكناري عرف قبل مجيء الأوربيين حضارة خلفها شعب ينتسب إلى العرق الأمازيغي، وله جذور متأصلة في تربة شمال إفريقيا، فعلى سبيل المثال كلمة "ألموكار" لا زالت متداولة في القاموس الأمازيغي وتعني "الموسم".

ولا زالت إحدى أعرق عادات الضيافة التقليدية متداولة حتى اليوم لدى الكناريين الأصليين، ومؤداها أن أحسن طبق أكل يمكن أن يقدمه الكناريون لضيوفهم المفضلين هو لحم الماعز ومعه طبق من دقيق ما يعرف اليوم عند الأمازيغ بدقيق "توميت" وهو (دقيق الزوميطة).



أما على المستوى اللغوي، فأوجه التقارب بين اللغتين الغوانشية والأمازيغية بادية فيما تبقى من المفردات اللغوية التي أفلتت من عمليات الطمس المقصودة للغة الغوانش الكنارية، كما أن البعض من هذه المفردات لحقها بعض التحريف والذي يرجح أن يكون سببه راجعا لكون من تولوا عملية التدوين لم يكونوا على دراية باللغة الأمازيغية، وبالأحرى بمخارج حروفها.
الغوانش هم السكان الأصليين لجزر الكناري، ينحدرون من سوس ودرعة هاجروا إلى الأرخبيل بين 1000 ق. م. و100 ق.م. وهم ينحدرون من أصول أمازيغية. يمكن اعتبار الغوانش -كمجموعة متمايزة- بأنهم شعبمنقرض. وقد وجدهم الأوروبيون الذين استعمروا الجزر في العصور الوسطى يعيشون حياة بدائية مثل حياة العصور الحجرية الحديثة. واليوم، تكاد ثقافتهم تكون قد اختفت منذ ولكن يمكن ملاحظة بعض آثارها مثل لغة التصفير السيلبو التي يتحدثها سكان جزيرة لا غوميرا.







امازيغ مليلية

مدينة مليلية المحتلة من طرف إسبانيا فالأمازيغ الريفيون يشكلون حوالي نصف سكان المدينة.
تقع مدينة مليلية في أقصى الشمال الشرقي للمغرب، وتحتلها أسبانيا مند العام 1497. والإسم الأصلي للمدينة هو: "تمليلت"، وتعني "البيضاء" في لغة الأمازيغ، وهم السكان الأصليون للمدينة، ويشكلون أكثر من نصف السكان. لكن المؤرخون العرب، اعتادوا على كتابة اسم المدينة بصيغة عربية "مليلية"، وهي نفس التسمية المتداولة في كتب التاريخ الرسمي المغربي. أما الأسبان فيطلقون على المدينة اسم "ميلية"Melilla، ويوجد موقع مليلية، التي يطالب المغرب بفرض سيادته عليها أو تقاسم السيادة مع أسبانيا، على بعد 12 كلم من مدينة الناظور، وتبلغ مساحتها الإجمالية 12 كلم مربعا، وتمتد على شكل قوس نصف دائري على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة حرة معفية من الضرائب قصد جلب المعمرين الأسبان، اللذين يتوافدون بكثرة على المدينة بسبب إغراء الرواتب المرتفعة في أجهزة الدولة، لكنهم يغادرون المدينة مباشرة بعد تقاعدهم ويعودون إلى مسقط رأسهم في الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط. يتم العبور إلى مليلية من خلال نقطة بني انصار وفرخانة. يرجع تاريخ احتلال المدينة إلى القرن الخامس عشر الميلادي، و تحديدا يوم 17 شتنبر1497، أي سنة واحدة بعد احتلال جزر الكناري في المحيط الأطلسي قبالة الصحراء المغربية. ومليلية جزء لا يتجزأ من الشمال المغربي المعروف بـ"الريف "، وهي منطقة جبلية وعرة التضاريس، فرض عليها التهميش والعزلة مند استقلال المغرب في العام 1956، بسبب "عدم ولاء السكان الذين يسعون إلى استرجاع الجمهورية الريفية التي أنشأها الزعيم الثوري محمد عبد الكريم الخطابي (1883-1962) في بداية القرن العشرين..." حسب النظام المغربي. وقد شهدت المنطقة خلال عامي 1958 و 1959 ثورة عارمة للسكان ضد الحكومة المركزية في الرباط. لكن الدولة تدخلت بقوة لقمع انتفاضة الريفيين باستعمال القصف الجوي بقنابل النابالم... ومنذ ذلك الحين لم يقم الملك الراحل الحسن الثاني بأية زيارة إلى الريف، أكثر من ذلك كان يصف الريفيين بلقب "الأوباش". ورغم زيارة المصالحة التي قام بها الملك الإصلاحي محمد السادس، في بداية عهده في سنة1999 إلى الريف، فإن المنطقة لا تزال تعيش على زراعة المخدرات، والهجرة غير القانونية إلى أسبانيا، وتجارة السلع المهربة من مليلية إلى شمال المغرب. ويعبر عدد كبير من المغاربة (10الف مواطن) الحدود الوهمية يوميا إلى المدينة المحتلة، من أجل تهريب البضائع إلى مدن الريف، ومعظم هؤلاء ينحدرون من منطقة الناظور، الذين يدخلون إلى المدينة بإبداء البطاقة الوطنية فقط، دون الحصول عل التأشيرة شريطة مغادرتها قبل حلول الليل. ويقدر حجم تجارة التهريب من مليلية إلى الشمال المغربي، بمليار دولار سنويا. ويعيش في مليلية خليط من السكان من مختلف الأديان والقوميات، حيث توجد المسيحية واليهودية والبوذية إلى جانب الإسلام. ويبلغ عدد المسلمين هناك حوالي 30 ألف نسمة، أي اكثر من نصف السكان بعضهم يحمل الجنسية الأسبانية، والبعض الآخر يحملون بطاقة الإقامة، وآخرون لا يتوفرون على أية وثيقة رسمية ويقدر عددهم ب 4000 مواطن. 


وتتباطأ الحكومة الأسبانية في منحهم الجنسية الأسبانية، لأنهم سيختارون الانضمام إلى المغرب، في حال إجراء استفتاء لتقرير المصير. يتواصل سكان مليلية بالإضافة إلى الأسبانية، اللغة الرسمية الوحيدة في المدينة، باللغة الأمازيغية وتحديدا "تريفيت"، التي تستعمل في المعاملات اليومية للسكان، وفي الشؤون الدينية داخل المساجد، حيث تلقى خطب الجمعة والدروس الدينية في مساجد مليلية، باستعمال اللغة الأمازيغية. وهي المدينة المغربية الوحيدة، التي تلقي فيها خطب الجمعة بالأمازيغية، في حين تمنع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،أئمة وخطباء المساجد من استعمال اللغة الأمازيغية في منابر الخطابة، وحتى في المناطق التي لا يتكلم سكانها سوى الأمازيغية... يحافظ سكان مليلية على نفس عادات وتقاليد أهل الريف، سواء في الاحتفال بالأعراس والأعياد والمناسبات، نظرا لوجود تواصل مستمر بينهم، وبين سكان المناطق القريبة مثل: فرخانة، بني شيكر، بني انصار... يسكن أغلب المسلمين في مليلية في المدينة القديمة التي تسمى: "ميلية لابيخا " وتضم أحياء فقيرة من قبيل: كالمونتي،كمايو، كابري ريسا، بلاصا طور... أما المواطنون الأسبان فيقطنون في أحياء جديدة وراقية. ينتشر التمييز العنصري بين الأسبان والمغاربة في مليلية على نطاق واسع، إذ يقل عدد المسلمين الذين يعملون في الإدارات العمومية مثل: الشرطة، المطافئ، البريد، الصحة، التعليم... وأجهزة الدولة بشكل عام، ولا تختلف وضعية الأمازيغ في مليلية عن وضعية إخوانهم في باقي أنحاء المغرب، حيت يحتكر العرب أهم المناصب في أجهزة الدولة والإدارات العامة، وبالتالي إذا كنت لا تتكلم اللغة العربية، لا يمكنك أن تحصل على أية خدمة إدارية.. ونفس الشيء يجري في مليلية بين الأمازيغ والأسبان. لكن القطاع الحكومي الوحيد، الذي يضم عددا كبيرا من المغاربة في مليلية، هو قطاع الجيش الذي يضم كتلة هامة من الأمازيغ، تقدر بحوالي ثلث وحدات الجيش لأن الأسبان يعترفون بالقدرة القتالية الكبيرة للريفيين، منذ انهزامهم أمام جيش عبد الكريم الخطابي، في معركة "أنوال" سنة 1924 .ويشتغل الكثير من المغاربة في مليلية في أعمال هامشية مثل: نوادل في الحانات، جمع القمامة، أوراش البناء... تضم مليلية العديد من محطات التلفزيون والإداعة، إضافة إلى الجرائد ومن أبرزها نذكر: "ميلية هوي"، "ايلطيغراما دي ميلية"، "ايلفارو دي ميلية"... تخضع مليلية للحكم الذاتي في إطار السيادة الأسبانية منذ العام 1994، حيت تتوفر المدينة على برلمان محلي وحكومة محلية، و تتشكل من ممثلي الأحزاب الوطنية الأسبانية (الحزب الشعبي،الحزب الاشتراكي العمالي)، بالإضافة إلى الأحزاب المحلية مثل: "اتحاد الشعب المليلي"، "الحزب المستقل المليلي"، "الائتلاف من أجل مليلية" بزعامة مصطفى ابر شان، وهو للتذكير أول مغربي يحكم مليلية وذلك سنة 1999، قبل أن يتم إقصاؤه لأسباب عنصرية. وأخيرا "الحزب الاجتماعي الديمقراطي لمليلية"، الذي يحظى بدعم كبير من السيد عمر محمادي دودوح، زعيم انتفاضة 1986 بمليلية، التي أعادت الاعتبار للمسلمين هناك. والحزب المذكور هو الجناح السياسي للحركة الأمازيغية في مليلية، على غرار" الحزب الديمقراطي الأمازيغي" في المغرب. وتأسس هذا الحزب في سنة 1999، ويضع القضية الأمازيغية على رأس أولوياته، ويدعو الحزب إلى التحول التدريجي للأمازيغية إلى لغة رسمية إلى جانب اللغة الأسبانية، واستعمالها في مداولات المجلس البلدي والمجلس الحكومي، وإدماجها في المدارس ووسائل الإعلام...
ومنذ فبراير الماضي، يناقش البرلمان الأسباني المعروف بـ"الكورتيس"، مشروع قانون حول تغيير الوضع القانوني لمليلية وسبتة، من خلال ترسيم لغتين في المدينتين، ويتعلق الأمر باللغة الأمازيغية في مليلية، وهي اللغة الأم لأغلبية سكان المدينة، واللغة العربية في سبتة. ويسود انقسام الطبقة السياسية الأسبانية حول هذا الموضوع، حيت تؤيد الأحزاب القومية هذا المطلب، إلى جانب جزء كبير من قادة الحزب الاشتراكي العمالي، و أبرزهم السيد : "بيدرو زوروطو"، وهو رئيس لجنة الحركات الاجتماعية في الحزب الاشتراكي الأسباني. بينما يعارض الحزب الشعبي، الذي انتقد الكثير من نوابه في البرلمان هدا المشروع، من بينهم النائب عن مليلية انطونيو كوتيرس، بدعوى أن مطلب ترسيم الأمازيغية "ليس مطلبا للجميع وإنما شعور يحدو بعض الأشخاص فقط..." وتقوم جمعيات الحركة الأمازيغية في مليلية، بتنسيق مع "الحزب الديمقراطي الاجتماعي المليلي" بحملة كبيرة للضغط على نواب الحزب الشعبي في الكورتيس، من أجل دعم مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية، باعتبارها اللغة الأم لأكثر من نصف سكان مليلية. وتدافع الأحزاب القومية الأسبانية عن هذا المطلب بشراسة، كما هو الحال بالنسبة للأحزاب التالية: الحزب القومي الباسكي، الحزب اليساري الغاليسي، وخصوصا الحزب الجمهوري الكطلاني، الذي حضر زعيمه أشغال المؤتمر الرابع للكونغريس العالمي الأمازيغي في الناظور، الصيف الماضي حيث وعد المناضلين الأمازيغ، بالعمل على ترسيم الأمازيغية في مليلية، وكذلك إطلاق عملية تعليم اللغة الأمازيغية في منطقة كطالونيا شمال شرق أسبانيا. وفعلا بدأ أكثر من10 ألف طفل أمازيغي هذا العام، في تلقي دروس اللغة الأمازيغية، وذلك تنفيذا للتوصية رقم: 119/04 التي أصدرها البرلمان الجهوي الكطلاني، حول: "دعم هوية الشعب الأمازيغي في كطالونيا وتسهيل اندماج أبناء العائلات الأمازيغية في المجتمع الكطلاني".
ومن أهم القوى السياسية التي تعارض مطلب ترسيم الأمازيغية في البرلمان الأسباني، نجد "الحزب الشعبي" الذي يقود المعارضة، وقد هدد نواب الحزب بالتصويت ضد أي قرار لترسيم لغات جديدة في سبتة ومليلية، وقد أصدرت الأحزاب المحلية وجمعيات المجتمع المدني في مليلية، بيانات تستنكر معارضة الحزب الشعبي لترسيم الأمازيغية في مليلية، وقالت جمعيات من مليلية أن النائب انطونيو كوتريس، لا يدافع عن مصالح ومطالب سكان مليلية، بقدر ما يروج الأفكار الشوفينية لليمين الأسباني، الذي يعادي المغرب والمغاربة. ويمكن تمرير قانون ترسيم الأمازيغية، في حالة استمرار التحالف بين الأحزاب القومية والحزب الاشتراكي العمالي قائما، لأن الأحزاب المذكورة تتوفر على غالبية المقاعد في البرلمان الأسباني، وبالتالي يمكن أن يحصل القانون الجديد، على أغلبية الأصوات ويصبح قانونا ساري المفعول.


وسيطرح هذا الموضوع نفسه بقوة على الطبقة السياسية المغربية، وعلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تحديدا، الذي يشتغل في هذه الأيام، على إعداد توصية إلى الملك محمد السادس، من أجل جعل الأمازيغية "لغة وطنية" في الدستور المغربي. كما فعل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في العام 2002، عندما أدخل تعديلا على الدستور الجزائري، يجعل من الأمازيغية "لغة وطنية" في الجزائر.
إذا نجح دعاة الأمازيغية والأحزاب القومية الأسبانية، في تمرير توصية حول ترسيم الأمازيغية في مليلية، فإن هذا سيشكل أكبر انتصار للأمازيغية على الصعيد العالمي، وهي خطوة كبيرة نحو تحقيق الاعتراف الدولي بلغة الأمازيغ، أي اللغة التي يرفض المغرب الاعتراف بوجودها على هده البلاد، وسيشكل ترسيم الأمازيغية في مليلية، إحراجا كبيرا للسلطات المغربية التي تتلكأ في ترسيم "تمزيغت" في الدستور المغربي. لا أدري كيف سيستسيغ المغاربة، أن تصبح الأمازيغية لغة رسمية في الجزء المحتل من الوطن، وفي نفس الوقت لغة ممنوعة في باقي أجزاء التراب المغربي؟ وهده قمة المفارقات في هده البلاد.
(إبراهيم وزيد، صحافي وباحث أمازيغي)


إرسال تعليق

0 تعليقات